
الحقيقة أغرب من الخيال.
مثل قديم
بعد أن أتيحت لي الفرصة في الآونة الأخيرة، في سياق بعض التحقيقات الشرقية، لمراجعة عمل تيلمانو أزيتسورنوت، وهو عمل (شبيه بعمل زوهار سيميون جوخايدس) يكاد يكون غير معروف على الإطلاق، حتى في أوروبا، ولم يتم الاقتباس منه من قبل، حسب علمي، من جانب أي باحث أمريكي، – هذا لو استثنينا، ربما، مؤلف كتاب “غرائب الأدب الأمريكي” – بعد أن أتيحت لي الفرصة، كما قلت، لتقليب بعض الصفحات من العمل الأول، وأذكر بأنه عمل لافت جدًا، لم تكن دهشتي بالقليلة عندما اكتشفت أن العالم الأدبي كان حتى الآن على خطأ بشكل يدعو إلى الغرابة بخصوص ابنة الوزير، شهرزاد، كما تم تصوير ذلك المصير في “الليالي العربية”؛ وبأن الخاتمة التي أعطيت لليالي، وإن لم تكن غير دقيقة تمامًا، فإنها، بقدر ما على الأقل، تستحق اللوم لأنها لم تذهب بنا كثيرًا أبعد من تلك الخاتمة.
وللحصول على معلومات كاملة عن هذا الموضوع الشيق، عليَّ أنْ أحيل القارئ المحب للاستطلاع إلى عمل “أزيتسورنوت” نفسه، ولكني، في غضون ذلك، سأطلب العذر لقيامي بتقديم ملخص لما قمت باكتشافه هناك. ولن يغيب عن البال، أنه، في النسخة العادية من الحكايات، كان هناك عاهلٌ ما لديه سبب وجيه للغيرة على زوجته الملكة، ولم تؤدِ بهِ هذه الغيرة إلى الحكم عليها بالموت فقط، بل جعلته يقسم بلحيته وبنبيه، بأن يتزوج أجمل العذارى في مملكته، لكي يسلم رقابهن في اليوم التالي إلى الجلاد. وبعد أن أوفى بنذره هذا لسنوات عديدة وبشكل حرفي، ملتزمًا بتنفيذه كالتزامه بواجباته الدينية، بطريقة منحته الفضل في أن يكون رجلًا يتميز بشعور ديني مخلص وإحساس ممتاز، دخل عليه ذات مساء وزيره المعظم (أثناء صلاته بالتأكيد) بعد أن خطرت لابنة هذا الوزير فكرة ما.
كان اسمها شهرزاد، وكانت فكرتها، إنها إما أن تخلص الأرض من ضريبة إفراغ البلاد من نسائها الجميلات، أو أن تهلك دون ذلك، على غرار جميع محاولات من سبقنها من البطلات. وتبعًا لذلك، ورغم أننا لا نجد أن السنة كانت كبيسة (وهو ما كان سيجعل التضحية أكثر جدارة)، بعثت بوالدها، الوزير الأعظم، لكي يعرض على ملك البلاد طلب يدها. وقبل الملك بذلك العرض بشغف كبير — (كان دائمًا ينوي قبول عرض كهذا، لكنه كان يرجئ البت فيه، خوفًا من الوزير) — ولكنه، في قبول ذلك الآن، بين لجميع الأطراف بوضوح شديد، بغض النظر عن مسألة رضا الوزير الأعظم أو عدم رضاه، بأنه غير مستعد للتخلي عن ذرة واحدة من نذره أو من امتيازاته.
وعندما أصرت شهرزاد” الجميلة، للسبب نفسه، على الزواج من الملك، وتزوجته بالفعل، بالضد من مشورة والدها الممتازة بعدم الإقدام على ذلك، لكنها أصرت على تنفيذ ما تريد رغم وعيها التام بخطورة ما كانت مقدمة عليه. ومع ذلك، كان يبدو أن هذه الفتاة السياسية (التي لابد أنها قد قرأت مكيافيلي، دون شك)، كانت تمتلك خطة صغيرة بارعة جداً في رأسها. وفي ليلة زفافها، خططت، بناء على أي ذريعة لا أدري، لشقيقتها أن تحتل إحدى الأرائك القريبة من سرير الزوجين الملكيين، بحيث يكون القرب كافياً لإجراء الحديث بسهولة بين الأختين وهما على سريري النوم؛ وقبل صياح الديك، بقليل، حرصت على إيقاظ الملك، زوجها (الذي كان ينوي حز رقبتها في الصباح)، وقد أيقظته، بالفعل، (وإن كان يغط في نوم مريح بسبب ضميره الذي لم يكن يكدره أي شعور بالذنب، وهضمه للطعام جيداً) من خلال إثارة فضوله الشديد حول قصة (عن جرذ وقط أسود، على ما أظن) كانت قد بدأت بروايتها (بصوت هامس، طبعاً) لشقيقتها. وعندما أدركها الصباح، حدث بالصدفة إنها لم تتمكن من إنهاء قصتها، لأن وقت إعدامها كان قد حان وكان عليها أن تستعد لذلك. والإعدام بالطبع يكون خنقاً بوتر قوس – وهي طريقة أكثر لطفاً من الشنق بحبل، وفيها مسحة من الرقي.
ويؤسفني القول بأن فضول الملك، الذي طغى حتى على واجباته والتزاماته الدينية، حثه لأول مرة على تأجيل الوفاء بنذره حتى صباح اليوم التالي، لكي يتمكن من سماع نهاية قصة القط الأسود (كان القط أسوداً، كما أعتقد) والفأر. وبعد أن حل الليل، لم تقم السيدة شهرزاد بوضع اللمسات الأخيرة على حكاية القط والفأر فقط (كان الفأر أزرقاً) بل حتى قبل أن تعرف ماذا كانت ستفعل، وجدت نفسها مغمورة بعمق داخل نسيج الحكاية، مشيرة، (إن لم أكن مخطئاً) إلى حصان وردي (بأجنحة خضراء) كان يتحرك، بعنف، ميكانيكياً، وكان يُدار بمفتاح أزرق. وأحب الملك هذه الحكاية حتى أكثر من حبه للأولى. وعندما أدرك شهرزاد الصباح قبل أن تصل بالحكاية الى خاتمتها (رغم إنها حاولت إنهائها في الوقت المناسب قبل الإعدام) لم يكن ثمة من سبيل أمام الملك، مرة أخرى، لعدم تأجيل الإعدام، لمدة أربعة وعشرين ساعة أخرى. وفي الليلة التالية تكررت نفس الحادثة وبنفس النتيجة؛ وظل هذا الأمر يتكرر هكذا ليلة بعد أخرى؛ ولم يجد الملك الطيب الذي حُرم بشكل لا مناص منه من جميع الفرص للوفاء بنذره خلال فترة لا تقل عن ألف ليلة وليلة، أما عن طريق نسيان الإعدام كلية نتيجة لانقضاء الفترة الزمنية المحددة له، أو نتيجة لإخلاء نفسه من تبعات النذر بالطريقة المألوفة، (وهو الأمر الأكثر احتمالاً) أي نقض القسم كلياً. على أية حال، باعتبارها متحدرة مباشرة من حواء، وربما، كانت وريثة لسلال الكلام السبعة كاملة، التي نعلم جميعاً بأن السيدة حواء قد قطفتها من تحت أشجار جنة عدن، انتصرت شهرزاد في النهاية، وأُلغيت عقوبة الإعدام التي كانت مفروضة على الجمال. والآن، هذه الخاتمة (وهي نهاية القصة كما نعرفها من المدونات) هي، بلا شك، نهاية مناسبة وسعيدة بشكل مفرط، لكنها، لشديد الأسف، مثل العديد من الأشياء السعيدة، تميل الى أن تكون نهاية سعيدة على حساب الحقيقة التاريخية، وأنا مدين كلية لـ «إيستسورنوت” للوسائل التي زودني بها لتصحيح هذا الخطأ. “Le mieux”* يقول المثل الفرنيسي ” est l’ennemi du bien”** وبذكري أن شهرزاد قد ورثت سلال الكلام السبعة، كان ينبغي عليَّ أن أضيف بأنها تعهدتها برعاية مضاعفة حتى صارت سبعة وسبعين.
“شقيقتي العزيزة” قالت شهرزاد في الليلة الثانية بعد الألف، (أستشهد الآن بكلام أيزيتسورنوت حرفياً) “شقيقتي العزيزة ” قالت شهرزاد، “بعد أن تم إلغاء عقوبة الإعدام البسيطة هذه، وأُلغيت بكل سرور هذه الضريبة الباهظة، شعرت بأني مذنبة لارتكابي الفظيع لحماقة جسيمه ألا وهي حجب النهاية الكاملة لقصة السندباد البحري عنك وعن الملك (والذي يؤسفني أن أقول، انه يشخر الآن، وهو شيء لا يليق برجل مهذب مثله) لقد مر هذا الرجل – السندباد – بتجارب ومغامرات عديدة أخرى، تفوق ما سردته لك لحد الآن؛ لكني في الحقيقة، كنت أشعر بالنعاس في تلك الليلة التي سردت فيها حكاية السندباد، وقد أغواني النعاس على اختصار الحكاية، وهي جريمة لا تغتفر، أتضرع الى ألله أن يسامحني عليها، لكن مع ذلك لم يفت الأوان لإصلاح إهمالي وتقصيري الكبيرين. والآن ما أن اقوم بقرص الملك مرة أو مرتين لإيقاظه حتى يكف عن إخراج تلك الاصوات المزعجة، لكي اشرع بسرد الحكاية لك وتسليتك (لو شاء هو) بخاتمة هذه القصة البالغة الروعة. وبعد أن أتمت شهرزاد كلامها لم تشعر شقيقتها، كما علمتُ من مطالعتي لأيزيتسورنوت، بدرجة عالية من الامتنان؛ لكن الملك، بعد أن تلقى عدداً كافياً من القرصات، قال أخيراً “إحم” ثم “همم”.
وعندما فهمت الملكة بأن هاتين الكلمتين ( وهما كلمتان عربيتان بالتأكيد) تعنيان بأن الملك كله آذان صاغية، وبأنه سيفعل ما بوسعه للتوقف عن الشخير، قامت الملكة، بعد ترتيبها لكل هذه الأمور حسب رضاها، بالدخول ثانية، وفوراً، في قصة السندباد البحري: ” وفي آخر المطاف، عندما تقدم بي العمر، [هذه كلمات السندباد نفسه، كما تسردها شهرزاد ] في نهاية المطاف، عندما تقدم بي العمر، وبعد تمتعي بسنوات عديدة من الهدوء والسكينة في وطني، تملكتني ثانية رغبة السياحة في بلاد الله؛ وفي أحد الأيام، ودون أن أخبر أحداً من أفراد عائلتي بخطتي، أعددت ما خف حمله وغلا ثمنه من البضائع، واستأجرت حمالاً لنقلها الى ساحل البحر وجلسنا هناك ننتظر وصول سفينة تقوم بنقلي خارج المملكة الى بلاد لم أكن قد زرتها من قبل. وبعد أن وضعت تجارتي على الرمال، التحقت بالحمال الذي ذهب ليجلس تحت ظل بعض الأشجار، وسرحنا البصر في البحر المحيط، علّنا نلمح مركباً، ومرت ساعات عديدة لم نلمح فيها أي مركب. ثم سمعت أو خُيل لي بأني سمعت صوت طنين أو همهمة غريبة تسري في الهواء وعندما سألت الحمال عن ذلك قال بأنه قد سمع نفس الصوت. وفي الحال ازداد الهدير وضوحاً، بحيث لم يعد لدينا أدنى شك بأن الشيء الذي كان يطلقه كان يقترب حثيثاً منا. وأخيراً، لمحنا سواد يتأرجح على حافة الأفق سرعان ما شرع يكبر ويكبر حتى تكشف لنا عن وحش هائل الحجم عندما أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الشاطئ. أخذ الوحش الذي كان الجزء الأكبر من جسده فوق سطح الماء يتجه الينا بسرعة كبيرة، قاذفاً موجات عالية من الزبد حول صدره، ومنيراً ذلك الجزء من البحر الذي كان يمرق من خلاله، بخط طويل من النار يمتد حتى نهاية الأفق وظل يقترب ويقترب حتى تبينت لنا ملامحه بوضوح أكبر. كان طوله يساوي طول ثلاث نخلات باسقات، وعرضه يعادل مساحة أكبر قاعة للنظارة في قصرك، يا سيد الخلفاء. أما جسده، الذي كان يختلف عن أجساد الأسماك العادية، فقد كان صلباً كالصخر، وذو سواد فاحم يغطي كل ذلك الجزء الظاهر منه فوق سطح الماء، ماعدا شريط ضيق بحمرة الدم يطوقه من كل الجوانب. أما البطن، التي كانت غائرة تحت السطح، والتي لم نكن نرى منها إلا لمحات بسيطة بين الحين والآخر نتيجة لارتفاع وهبوط جسد الوحش مع حركة الأمواج، فقد كانت مغطاة تماماً بحراشف معدنية، ذات لون يشبه لون القمر في سماء مضببة. وكان الظهر مسطحاً وقريباً من البياض، ومنه تنبعث ستة أشواك، حجم كل منها يساوي نصف حجم الجسد كله. لم نلمح وجود أي فم لهذا المخلوق الرهيب، لكنه، وللتعويض عن غياب الفم كما يبدو، كان مزوداً بأربعين زوجاً من العيون، على الأقل، كانت تبرز من محاجرها مثل عيون اليعاسيب الخضراء، وتصطف حول كامل الجسد صفين صفين، صف فوق صف، بموازاة الخط الأحمر الدموي، الذي كان يبدو وكأنه يحل محل الحاجب. وكان إثنان أو ثلاثة من هذه العيون الرهيبة أكبر حجماً من الأخريات، ولها منظر ذهبي صلد. ورغم اقتراب الوحش منا، كما قلت من قبل، بأقصى سرعة، إلا أنه لابد كان يتحرك بقوة السحر، لأنه لم يكن يملك زعانفاً كما الأسماك، ولا أرجلاً شبكية كأرجل البط، ولا أجنحة كالأصداف التي تُنفخ كما أشرعة السفن ولا حتى حركة متلوية كما حركة ثعابين الماء تجعله يتقدم الى الأمام. كان شكل رأسه وذنبه متشابهان تماماً، مع وجود ثقبين، ليسا بعيدين عن الذنب، كانا يعملان عمل الخياشيم، التي كان الوحش يطلق من خلالها أنفاسه الكثيفة بعنف شديد، وبضجة مزعجة شبيهه بالصراخ. كان فزعنا برؤية هذا الشيء الرهيب عظيماً، لكن دهشتنا كانت أعظم، وعندما نظرنا عن كثب، رأينا فوق ظهر ذلك المخلوق عدداً من الحيوانات بحجم وشكل مشابه تماماً لبني البشر، عدا كونهم كانوا بلا ثياب (كما هو شأن الناس) ومزودين (من قبل الطبيعة، بلا شك) بغطاء قبيح وغير مريح، يشبه القماش كثيراً، لكنه ملتصق بجلودهم بشدة، بحيث انه كان يجعل لابسه المسكين يبدو أخرقاً بشكل مضحك، ويعرّضه كما هو ظاهر الى ألم مبرح. فوق هامات هؤلاء الرجال كانت ثمة صناديق مربعة الشكل، ظننت، للوهلة الأولى، بأنها عمائم، لكني اكتشفت في الحال بأنها ثقيلة جداً وصلدة، ولذلك استنتجت بأنها اختراعات، مصممة، بوزن ثقيل، لحفظ رؤوس تلك الحيوانات ثابتة فوق أكتافها. وشاهدنا حول أعناق هذه المخلوقات ياقات سوداء، (شارات للخدمة، بلا شك) مثل تلك التي نضعها في أعناق كلابنا، لكنها كانت أكبر حجماً وأكثر صلابة، بحيث لا يمكن لهذه المخلوقات المسكينة إدارة رؤوسها بأي اتجاه دون إدارة الجسد كله في نفس الوقت؛ وهكذا فقد كانوا محكومون بتأمل أبدي لمنظر أنوفهم، وهو منظر مفلطح، أفطس بعض الشيء، ولا يحتوي بالضرورة على أي درجة من البشاعة.”
“عندما وصل الوحش الى الشاطئ تقريباً، دفع بإحدى عينيه فجأة الى أقصى مدى، وأطلق ومضة رهيبة من اللهب مصحوبة بدخان كثيف وصوت أشبه بدوي الرعد. وعندما انقشع الدخان، شاهدنا واحداً من أولئك البشر الحيوانيين ذوي الأشكال الغريبة يحمل بوقاً على مقربة من رأس الوحش الكبير سرعان ما وضعه على فمه وخاطبنا بلهجة عالية ذات نغمة خشنة وغير مستساغة، كنا على وشك أن نحسبها لغة من نوع ما، لولا خروجها تماماً من الأنف.”
“وبعد أن أتم الرجل صاحب البوق التحدث الينا على هذا النحو، وجدت نفسي عاجزاً عن الإتيان بأي رد، لأني لم أفهم على الإطلاق ما قاله لي فألتفت الى الحمال الذي كان قريباً من الإغماء من شدة الخوف، وسألته عن جنس أو فصيلة ذلك الوحش العائم، وماذا كان يريد، وما هو كنه تلك المخلوقات التي تحتشد فوق ظهره. وأجاب الحمال على قدر ما سمح له به خوفه من كلام، بأنه كان قد سمع مرة بأن هذا الوحش البحري كان شيطاناً لا يعرف قلبه الرحمة، وذو أحشاء من الرصاص ودم من اللهيب، خلقه جني شرير لكي يبتلي الناس بالعذاب والتعاسة؛ وقال بأن تلك الاشياء الجاثمة على ظهره ماهي ألا ديدان، مثل تلك التي تعيش أحياناً داخل فراء القطط والكلاب، لكنها أكبر حجماً وأكثر وحشية؛ وقال أن لهذه الديدان منافع، رغم أنها قد تبدو شريرة، وهي أنها من خلال التعذيب الذي كانت تسببه للوحش بقرصاتها ولدغاتها كانت تدفعه الى تلك الدرجة من الغضب التي تجعله يزمجر ويهدر ويرتكب الخطايا، وبهذا تتحقق النوايا الإنتقامية والخبيثة لذلك العفريت الشرير.”
“وما أن انتهى الحمال من هذا التوضيح حتى أطلقت ساقيّ للريح ورحت أهرول بأقصى سرعة ودون أن ألتفت الى الوراء نحو التلال، يجاريني في ذلك الحمال الذي انطلق يركض في الاتجاه المعاكس، حاملاً معه صرري، التي لا شك بأنه اعتنى بها عناية فائقة، رغم إني لست متأكداً من ذلك تمام التأكد الآن، لأني لم أره بعد ذلك اليوم أبداً. بالنسبة لي، وجدت نفسي ضحية لمطاردة ساخنة من الرجال الديدان (الذين وصلوا إلى الشاطئ بالقوارب) ولحقوا بي في الحال، وقيدوا يدي ورجلي، ونقلوني على متن الوحش، الذي استأنف السباحة في عرض البحر في الحال. وبعد أن تم أسري ندمت من حيث لا ينفع الندم على حماقتي في ترك بيتي الوثير وتسليم نفسي لمخاطر هذه المغامرة؛ لكني في النهاية كنت مجبراً على بذل قصارى جهدي لكي أتعايش مع وضعي الصعب هذا، وحاولت الفوز بثقة الرجل الحيوان نافخ البوق، الذي بدا لي بأنه كان يمتلك السلطة على أتباعه، ونجحت نجاحاً باهراً في هذا المسعى، بحيث قام المخلوق، خلال بضعة أيام، بتعليمي لغته، وأصبحت قادراً على الحديث بها بسهولة وجعلته يفهم حماستي ورغبتي في رؤية العالم.”
” قال لي ذات يوم بعد الغداء (واشيش سكوانشيش سكويك، سندباد، هاي ددل ددل، غرنت أونت غرمبل، هس فس وس)، ((لكني استمحيك ألف عذر، لقد نسيت بأن جلالتك لا تتحدث بلهجة الكوك ناي)) ( هذا هو أسم الرجال الحيوانات؛ لأني أفترض بأن لغتهم كانت تشكل صلة الربط مابين صوت الحصان وصوت الديك) بعد أذنك، سوف أقوم بالترجمة: ( واشيش سكواشيش ) الى آخره: تعني ” أنا سعيد، يا عزيزي سندباد، بمعرفتي أنك شخص رائع؛ نحن الآن بصدد القيام بشيء يسمى الدوران حول الأرض؛ وبما أنك راغب جداً برؤية العالم، فسوف أمنحك رحلة مجانية على متن الوحش.”
عندما وصلت السيدة شهرزاد الى هذا الحد، كما يقول” إيزيتسورنوت” انقلب الملك من جنبه الأيسر الى جنبه الأيمن، وقال: ” من المدهش حقاً، يا مليكتي الغالية، أن تكوني قد أخفيت عني الى الآن مغامرة سندباد الأخيرة هذه التي أجدها مسلية جداً وغريبة؟”
وبعد أن أدلى الملك برأيه بهذه الطريقة، كما قيل لنا، واصلت شهرزاد الجميلة سرد حكاية السندباد له بهذه الكلمات –: ” شكرتُ الرجل الحيوان على عطفه، وبعد وقت قصير طابت لي الإقامة على ظهر الوحش، الذي كان يعوم بسرعة عجيبة عبر المحيط؛ رغم أن سطح الأخير، لم يكن، في ذلك الجزء من العالم، مسطحاً أبدأً، بل مدوراً مثل رمانة، بحيث كنا نسير، إن صح التعبير، أعلى التل أو أسفل التل طوال الوقت.”
قال الملك “أعتقد بأن ذلك شيء فريد”
ردت شهرزاد ” أبداً، انه حقيقي تماماً “
تابع الملك ” لاشك عندي في ذلك، لكن، رحماك، تعطفي علينا وواصلي الحكاية”
قالت الملكة: “سمعاً وطاعة. قال السندباد: “وهكذا واصلنا السباحة أعلى التل وأسفل التل، كما قلت، وفي النهاية، وصلنا الى جزيرة، يبلغ قطر محيطها مئات الأميال، لكنها مع ذلك كانت مشيدة وسط المحيط من قبل مستعمرة من مخلوقات صغيرة تشبه اليساريع.”
قال الملك “إحم!”
قال السندباد ” بعد أن تركنا هذه الجزيرة،” (بالنسبة لشهرزاد، كما ينبغي أن يُفهم، فإنها لم تعر بالاً لكلمة “إحم ” غير المهذبة التي أطلقها زوجها)
“بعد أن تركنا هذه الجزيرة، جئنا الى جزيرة أخرى، مغطاة بغابات من حجر صلد جداً بحيث إنها كانت تهشم الى شظايا صغيرة أقوى الفؤوس التي كنا نحاول بها قطع تلك الأشجار.”
قال الملك ” إحم!” ثانية.
لكن شهرزاد واصلت حديثها على لسان السندباد، دون أن تعير بالاً الى ذلك.
“وبعد أن تجاوزنا حدود هذه الجزيرة، وصلنا الى بلد كان فيها كهف يغور لمسافة ثلاثين أو أربعين ميلاً في باطن الأرض، ويحتوي على الكثير من القصور الشاهقة والفسيحة تفوق في عظمتها قصور بغداد ودمشق. ومن سقوف هذه القصور كانت تتدلى أعداد كبيرة من الأحجار الكريمة الشبيهة بالماس، لكنها كانت أكبر حجماً من الإنسان ومن بين شوارع الأبراج والأهرامات والمعابد، كانت تتدفق أنهار كبيرة سوداء كالإبنوس، تعيش فيها أسماك بلا عيون.”
قال الملك ” إحم! “
“ثم سبحنا في منطقة من البحر كان فيها جبل شاهق، تنزل من سفوحه سيول من المعادن الذائبة، عرض البعض منها كان يبلغ إثني عشر ميلاً وطولها ستون ميلاً؛ وكان ثمة هوة على القمة تنبعث منها كميات هائلة من الرماد الذي كان يحجب وجه الشمس تماماً من السماء، ويحيل النهار الى ظلمة حالكة تفوق في سوادها سواد أشد الليالي ظلمة بحيث عندما أصبحنا على مبعدة مئة وخمسين ميلاً من الجبل، كان من المستحيل علينا أن نرى أنصع الأشياء بياضاً، مهما أنعمنا النظر فيها.”
قال الملك ” إحم! ” مرة أخرى.
“وبعد أن تركنا هذا الساحل، واصل الوحش رحلته حتى وصلنا الى أرض كانت فيها طبيعة الأشياء معكوسة حيث شاهدنا بحيرة عظيمة تنمو في قعرها على عمق أكثر من مئة قدم تحت الماء، غابة كاملة من الأشجار العالية والفاخرة.”
قال الملك ” إحم! “
“ووصلنا بعد ذلك الى أجمل منطقة في العالم، كان يجري في وسطها نهر رائع لعدة آلاف من الأميال. وكان هذا النهر عميقاً بشكل لا يوصف ومياهه أكثر ثراءاً وشفافية من العنبر، وعرضه يتراوح بين ثلاثة الى ستة أميال؛ وكان علو ضفافه الشديدة الانحدار يصل الى إثني عشر قدماً من الجانبين تتوجها أشجار دائمة الخضرة، وأزاهير زكية الرائحة على مدار العام، كانت تحيل المنطقة برمتها الى حديقة غنّاء؛ لكن الغريب في الأمر أن هذه الارض كانت تدعى مملكة الرعب، ودخولها يعني الموت الأكيد.”
قال الملك ” إمف.”
“غادرنا هذه الجزيرة على عجل، وبعد بضعة أيام، وصلنا الى أخرى، حيث دهشنا لرؤية أعداد كبيرة من الحيوانات الوحشية التي كانت تحمل فوق رؤوسها قروناً تشبه المناجل. وكانت هذه الوحوش البشعة تحفر حفراً كبيرة في الأرض، ذات اشكال قمعية، وترصفها من الداخل بالصخور، التي كانت تضعها واحدة فوق الأخرى، بشكل يجعلها تسقط على الفور، عندما تطأها أقدام الحيوانات الأخرى، قاذفة اياها داخل أوكار هذه الوحوش، التي تشرع بامتصاص دمها، وإلقاء جثثها بكل ازدراء الى مسافات بعيدة خارج حفر الموت هذه،”
قال الملك ” باه.”
“واصلنا تقدمنا، وشاهدنا إقليماً لا تنمو فيه الخضروات في التربة، بل في الهواء. وكان ثمة خضروات تنمو من داخل خضروات أخرى؛ وأخرى كانت تستنبط مادتها من أجساد حيوانات حية؛ وهناك أيضاً خضروات أخرى كانت تتألق وتلمع كلما كويتها بالنار الشديدة؛ وغيرها كانت تتحرك من مكان لآخر حسب مشيئتها، والأكثر روعة من ذلك جميعاً، هو اكتشافنا لزهور كانت تعيش وتتنفس وتحرك أطرافها ساعة تشاء، وتملك فوق ذلك، تلك العادة الكريهة التي يتحلى بها البشر، وهي استعباد المخلوقات الأخرى، وحبسها في سجون انفرادية رهيبة حتى يتم يجب إجبارها على تحقيق مهام معينه.”
” قال الملك ” أُفٍ”
“وبعد مغادرتنا لهذه البلاد، وصلنا بسرعة الى بلاد أخرى كان فيها النحل والطيور علماء رياضيات على درجة كبيرة من العبقرية وسعة الاطلاع، حيث كانوا يقدمون إرشادات يومية في علم الهندسة الى حكماء تلك الدولة. وقد قام ملك البلاد بمنح مكافأت لحل إثنين من أصعب المسائل الرياضية، وتم حل تلك المسألتين في الحال، الأولى حلها النحل، والثانية حلتها الطيور واحتفظ الملك بحل هاتين المسألتين سراً، ولم يتم التوصل الى حل مماثل لهاتين المسألتين، إلا بعد بحث مضن وجهد كبير استغرق زمناً طويلاً أُلف فيه علماء الرياضيات من البشر سلسلة طويلة من الكتب الكبيرة ليتوصلوا الى الحل الذي توصلت اليه النحل والطيور بطرفة عين.”
قال الملك ” يا إلهي!”
“لم نكد نغادر هذه المملكة، حتى وجدنا أنفسنا على مقربة من مملكة أخرى، كان يطير من شواطئها فوق رؤوسنا سرب من الطيور بعرض ميل، وطول مئتين وأربعون ميلاً بحيث إنها رغم طيرانها لمسافة ميل كل دقيقة، إلا أن كامل السرب المؤلف من بضعة ملايين من الطيور كان يستغرق ليس أقل من ساعة حتى يعبر من فوق رؤوسنا.”
قال الملك ” تباً!”
“وما أن تخلصنا من هذه الطيور التي سببت لنا إزعاجاً كبيراً، حتى تعرضنا لترويع طائر آخر، كان بلا شك أكبر حجماً من طائر الرخ، الذي قابلته في سفراتي السابقة وأكبر حتى من أضخم القباب في مملكتك، يا مولاي الخليفة الأعظم. كان ذلك الطائر الرهيب دون رأس، وليس فيه إلا بطنه، التي كانت على درجة عظيمة من السمنة والاستدارة، ولها مظهر لين سلس ولامع ومزدان بشرائط عديدة الألوان. كان وحشاً كبيراً وكان يحمل بمخالبه الى وكره في أعالي السماء، بيتاً كان قد أطاح بسقفه، ومن داخل البيت رأينا بوضوح كائنات بشرية، كانوا بلا ريب يعيشون في حالة من اليأس والرعب من مصيرهم القادم. وصحنا بأعلى أصواتنا، على أمل أن نفزع الطائر الوحش ونجعله يتخلى عن فريسته، لكنه أطلق زفيراً عالياً، كما لو أنه كان غاضباً، وقذف فوق رؤوسنا بكيس ثقيل تبدى لنا بأنه كان مليئاً بالرمل!”
قال الملك “هراء!”
“وبعد أن انتهينا من هذه المغامرة قادتنا المقادير إلى قارة مترامية الأطراف أرضها شديدة الصلابة، لكنها، مع ذلك، كانت مستقرة فوق ظهر بقرة زرقاء كالسماء، ولها مالا يقل عن أربعمئة من القرون.”
قال الملك ” بإمكاني تصديق هذا الأمر، الآن، لأني قرأت شيئا كهذا من قبل في أحد الكتب”
“وعبرنا في الحال تحت هذه القارة، (سابحين بين أرجل البقرة، وبعد بضع ساعات، وجدنا أنفسنا في بلد رائع حقا، وهو، كما أبلغني الرجل الحيواني، وطنه الأصلي، وتسكنه أنواع خاصة بذلك البلد. ورفع هذا الاكتشاف كثيراً من قيمة الرجل الحيواني بنظري، وفي الواقع، بدأت الآن أشعر بالخجل من الألفة المفعمة بالازدراء التي كنت قد عاملته بها، لأنني وجدت أن الرجال الحيوانيين، كانوا عامة أمة من أقوى السحرة، وتعيش داخل أدمغتهم ديدان كانت تقوم، بلا شك، بتحفيزهم من خلال تلويها وتمعجها المؤلم، الى بذل جهود خارقة في التخيل!”
قال الملك “سفاسف!”
“وكان لدى بعض السحرة عدد من الحيوانات المستأنسة ذات الأنواع الفريدة للغاية، فعلى سبيل المثال، كان ثمة حصان عظامه من حديد، ودمه من ماء يغلي. وبدلاً من الذرة، كان معتاداً على تناول الحجارة السوداء، لكنه كان قوياً جداً وسريعاً وقادراً على جر حمولة أكثر ثقلاً من أكبر المساجد في هذه المدينة، وبمعدل سرعة يفوق سرعة معظم الطيور، بالرغم من نظامه الغذائي القاس.”
قال الملك “ثرثرة!”
“وشاهدت، أيضا، لدى هؤلاء الناس دجاجة من دون ريش، لكنها أكبر من الجمل؛ وبدلا من اللحم والعظم كانت مكسوة بالحديد والطوب، ودمها، مثل دم ذلك الحصان، (والذي كان، في الواقع، يمت لها بصلة قرابة بعيدة)، مكون من الماء المغلي، ومثله أيضاً، لم تكن تتناول شيئاً غير الخشب أو الحجارة السوداء. وكانت هذه الدجاجة تلد غالباً مئات من الكتاكيت في اليوم الواحد، وبعد الولادة، كانوا يقيمون لعدة أسابيع في معدتها.”
قال الملك ” شيء مضحك!”
“وأثناء مكوثي هناك قام واحد من هؤلاء السحرة العظام بخلق إنسان من النحاس والخشب والجلود، ووهب له براعة منقطعة النظير بحيث انه كان قادراً على أن يهزم، في لعبة الشطرنج، جميع أفراد الجنس البشري، باستثناء الخليفة العظيم هارون الرشيد. وقام ساحر آخر بصنع إنسان من نفس المواد وكان من الذكاء بمكان بحيث أنه تغلب حتى على صانعه لأن قدراته الفكرية كانت عظيمة جداً، وكان قادراً على حل حسابات معقدة وطويلة تتطلب لحلها مجهوداً موحداً لخمسين ألف عالم ولمدة عام كامل. لكن الساحر الأكثر روعة من هؤلاء قام بصنع شيء لنفسه لا هو بإنسان ولا بحيوان، لكنه كان يمتلك دماغاً من الرصاص، ممزوجاً بمادة سوداء تشبه القار، وأصابع كان يحركها بسرعة ودقة عجيبتان بحيث لم يكن يعاني من أي صعوبة في تدوين عشرين ألف نسخة من كتاب الله خلال ساعة فقط، وبدقة متناهية، بحيث لا يمكن تمييز نسخة عن أخرى، حتى ولو بنسبة شعرة. ويتمتع هذا الشيء بقوة بدنية هائلة بحيث كان قادراً على إنشاء أعتى الإمبراطوريات والإطاحة بها بنفخه واحدة من فمه، لكنه كان يوزع قدراته بالتساوي بين الخير والشر”
قال الملك ” شيء سخيف!”
وشاهدتُ في هذه الأمة المكونة من محضري الأرواح رجل تجري في عروقه دماء سمندل وما كان يتردد في الجلوس داخل فرن ملتهب حتى ينضج عشاءه تماماً على أرضية ذلك الفرن. وكان ثمة آخر يمتلك القدرة على تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، دون أن يشغل نفسه في النظر اليها خلال عملية التحويل. وثالث كانت لديه سرعة إدراك عجيبة بحيث انه كان قادراً على حساب جميع الحركات المنفصلة التي يؤديها جسد مرن، وهو يتحرك جيئة وذهاباً بنسبة تسعمئة مليون مرة في الثانية”
قال الملك ” غير معقول!”
“وشاهدت ساحراً آخر من هؤلاء السحرة، يستخدم سائلاً مجهولاً لم يسمع به أحد من قبل، لجعل جثث أصدقائه تحرك أطرافها وتتقاتل فيما بينها وتنهض أيضاً وترقص حسب مشيئته. وكان ثمة آخر قد درب صوته لأقصى درجات التدريب لدرجة أنه كان بإمكانه إيصاله من أقصى العالم الى اقصاه. وكان آخراً يمتلك ذراعاً طويلة جداً بحيث أنه كان يجلس في دمشق ويكتب رسالة في بغداد – أو أي مكان آخر بعيد، في الواقع. وآخر كان يدعو البرق الى النزول عليه من السماء، وكان البرق يلبي دعوته ويدعه يلهو به بيديه. وساحر آخر كان يجمع صوتين عاليين يخلطهما معاً ليخرج منهما صمتاً. بينما كان غيره يخلق ظلاماً دامساً من نورين ساطعين، وآخر يصنع ثلجاً داخل فرن ملتهب. وآخر كان يأمر الشمس بأن ترسم له صورته الشخصية، وكانت الشمس تطيع أمره”
“وقام ساحر آخر بجمع هذا الجرم السماوي مع القمر والكواكب الأخرى، وبعد أن وزنها أولاً بمنتهى الدقة، غاص في أعماقها، واكتشف صلابة المادة المكونة لها، لكن الأمة كلها كانت تتمتع في الواقع بقدرات سحرية خارقة جداً، حتى أطفالهم الرضع وقططهم وكلابهم العادية لم تكن تجد أي صعوبة في رؤية الأشياء التي لا وجود لها على الإطلاق، أو الأشياء التي انقرضت منذ عشرين مليون سنة قبل ميلاد الأمة نفسها.”
قال الملك ” هذا محال!”
واصلت شهرزاد الكلام، دون أن تعير بالاً لتعليقات زوجها المتكررة وغير المهذبة.
“إن زوجات وبنات هؤلاء السحرة الذين لا نظير لهم يمثلن كل معاني الكمال والصفاء، وكن سيكونن أكثر جمالاً وإثارة للاهتمام، لولا ذلك النقص المؤسف الذي يحدق بهن، والذي لم تنفع في علاجه، حتى الآن، كل القوى الخارقة التي كان يتمتع بها أزواجهن وآبائهن. بعض هذه النواقص تظهر في أشكال معينة، وغيرها في أشكال أخرى – ولكن النقص الذي أتحدث عنه جاء في شكل نزوة غريبة.”
قال الملك “ماذا؟”
قالت شهرزاد ” نزوة غريبة”
“لقد وضع هذه النزوة الغريبة في رؤوس هؤلاء السيدات الموهوبات جني شرير يبتلي النساء دوماً بأفعال السوء ويجعلهن يقتنعن بأن الشيء الذي نصفه نحن بالجمال الشخصي يتألف كلياً من نتوء أو سنام في المنطقة الواقعة تحت العصعص. لذا فأن الجمال الكامل، حسب رأيهن، هو النتيجة المباشرة لشدة بروز ذلك النتوء أو السنام. ونتيجة لطول اقتناعهن بهذه الفكرة، وبسبب رخص أثمان الوسائد في تلك البلاد، فقد مر زمن طويل جداً على الناس قبل أن يتمكنوا من تمييز المرأة عن الجمل.”
” توقفي!” قال الملك.
“لا أستطيع تحمل المزيد من هذا الهراء، ولن أسمع أكثر مما سمعت. لقد سببت لي صداعاً فظيعاً بأكاذيبك. لقد طلع الفجر ولا أدري كم مضى من الوقت على زواجنا، لكني أشعر بأن نفسي قد تكدرت من جديد. ثم ما هذا الهراء الذي تقولينه عن الجمل. هل تظنين بأنني أحمق الى هذه الدرجة؟ على كل حال، أنهضي الآن واستعدي للشنق”
يقول ” إيزيتسورنوت” أن هذه الكلمات أدهشت شهرزاد وسببت لها حزناً شديداً لأنها كانت تعلم بأن الملك كان رجلاً إذا قرر أمراً من غير المرجح أن يتراجع عن تنفيذه لذلك فقد استسلمت لمصيرها بروح معنوية عالية، معزية نفسها (عندما شرعت الأنشوطة تتوتر حول رقبتها) بفكرة أن هناك الكثير مما كان ينبغي سرده لكن ضراوة زوجها الغاشم قد حرمته من حكايات ومغامرات لا تصدق.
ترجمة: علي سالم
*الأفضل.
**هو عدو الجيد.
علي سالم: مترجم عراقي مقيم في النرويج.