
نيرون القادم
مؤكدا أننا ماضون نحو النهايات المحتومة
لهذا الرعب الجليدي
الذي تقوده رياض الأطفال
وفرق الانشاد الوطني
لهذه الموسيقى تلعق الدم
مثل ضباع المسالخ
مجزرة تتزوج اخرى
وقتلة يمسحون الشوارع
من آثار الدم العالق
في أهداب القمر
أيها الرجل الجالس على جفن روما
تقرأ بازوليني وتفكر
ها هو نيرون قادم بعصافيره
وأقفاصهِ الذهبية
شرفة دمشقية
الليلُ أسماكه تسبح في دمي
أسماك هذا الليل الشرسة
مثل عربات عتيقة..
هكذا من غير استئذان هذه المرة
نبحتْ أساطيله/مناراته /قوة حضورهِ
في دماغ الحجر.
وحيد أنا أدخل غرفتي الأشبه بفوهة
مسدّس
يبحث عن وليمة
ربما أكون أنا أوصديقي.
مرّت البواخر يحملن الموانيء والدهور الطويلة .
تقلبت قليلاً في فراشي / الشاحنات
تلامس الاعضاء بلطف حريري
ربما لست الوحيد الحامل همّ هذا العالم
هناك آخرون يقيمون
خيامَهم في جسدي
لكن لا مانعَ أن أقول أني وحيد
ومقيم في رحم الأشياء السريعةِ
الزوال.
من شرفتي الدمشقية
أطل على جحيم أيامي الناعم مثل
ذكرى بعيدة
أسمع الأخبار العربية
وأسمح لنفسي بالتخيّل:
ها هو الفضاء مشنقة بحجم الانسان
المرتدي سلطة الحلم
أين يمكن للعصافير والنسور
أن تحلق خارج جحيمي
أنا الرجل المنذور للعذاب
أحدق في مرايا نفس مقعّرة
جماجم وعظام وحطام أجيال كئيبة
يسكنون القاع
ونسوة ينتحبن في ثياب الحداد
كأنما العالم يجترّ حطامَ أيامه الأخيرة
في قلبي
قلم رصاص ومشنقة
غيمة على طاولة الكتابة
وقلم رصاص ومشنقة
ومن حديقة المنزل تطلع
بغاث طير وجلادون بمعاطف
وياقاتٍ مذهبة
وأنا أنتظر الموجة لقادمةَ
من ساحل رأسي
حيث تنام العداوات متآخية
أنتظر
أن أكتب شيئا عن طفولتي
عن الطائر المتهم بجرائم الكون والتاريخ
عن الأطفال الذين ينشرون الرعب بين العصافير
عن الأمهات اللواتي يقتلن أولادهن
خشيةَ انكشاف السر
عن وحوشٍ تنجبها أرحام الورود
عن الخطيئة المشرقة مثل قمر
في ليل .
مرت نسمة بين شقوق الباب
وحشد نجوم وبلابل
فأرقدتهم فراشي
وأنا على الكرسي
وأمامي طاولة وقلم رصاص
ومشنقة!
من ديوان “نورسة الجنون” دمشق 1981