ولاء فهد الحربي: وثبة من على الشرفة
أطفالي، بأعينهم البريئة، يتساءلون وأنا في حيرة عميقة، لا أدري إن كان ينبغي عليّ إخبارهم، لكنني طمأنت قلوبهم الصغيرة وأخبرتهم أننا نلعب "الغُمّيضة" مع بابا الذي سيصل عمّا قريب إلى المنزل. ولمّا ضاق صبرهم، ولم يطيقوا البقاء أكثر في تلك الخزانة التي سلبتهم حرية التطويح بأذرعهم، والركل بأقدامهم الصغيرة، شرعنا بالعدّ، لعلّ الوقت يمضي. لم أعرف إن كان سيصل بنا العد حتى المائة أو الألف، أم أننا سنمضي وقتًا أطول في تلك الخزانة من دون أن يظهر أحد، ويفوق العد معرفتي وقدرتي على المواصلة.
إدغار ألان بو: حكاية شهرزاد الثانية بعد الألف
18 أيار (مايو) 2023
"لقد وضع هذه النزوة الغريبة في رؤوس هؤلاء السيدات الموهوبات جني شرير يبتلي النساء دوماً بأفعال السوء ويجعلهن يقتنعن بأن الشيء الذي نصفه نحن بالجمال الشخصي يتألف كلياً من نتوء أو سنام في المنطقة الواقعة تحت العصعص. لذا فأن الجمال الكامل، حسب رأيهن، هو النتيجة المباشرة لشدة بروز ذلك النتوء أو السنام. ونتيجة لطول اقتناعهن بهذه الفكرة، وبسبب رخص أثمان الوسائد في تلك البلاد، فقد مر زمن طويل جداً على الناس قبل أن يتمكنوا من تمييز المرأة عن الجمل."
مصطفى النفيسي: قصة قصيرة “مآزق الهاتف”
مآزق الهواتف الغبية
لا تدري لماذا لم تغير ذلك الهاتف البشع، هاتف كحبة فلفل. حينما اشتريته، قلت: لأشتري لي هاتفا لا يكلفني كثيرا، ولا أحزن...
“هو” قصة قصيرة للكاتب العراقي فاضل العزاوي
دخلت إلى مكتبي وأنا أشعر بصداع شديد في صدغي، وفكرت أن هذا الصديق المجهول ربما كان يريد ايذائي. لماذا لا يفصح عن اسمه؟ لماذا رفض التحدث معي أمس؟ أخرجت سيجارة وأشعلتها، ثم اتكأت على الكرسي، مفكراً في كل الذين أعرفهم. ترى من يكون هذا الرجل؟ إنني كائن بدون مشاريع أو عداوات، ولا أعتقد أن ثمة ما يمكن أن يتخذ ذريعة ضدي. فكرت، ربما كان بعض أصدقائي يريد أن يمزح معي. ربما... ولكن الموظفين هنا يعرفون جميع أصدقائي. حسناً... سأسأل الفراش جمعة فهو أذكى من أن تنطلي عليه مثل هذه الحيلة
وفاء الراجح: سائق الحافلة، قصة قصيرة
«الحافلة مزدحمة بالركاب لا مكان لك، هيا انصرفي».
صرخ السائق في وجهي. أخبرته بأني لا أجد مشكلة حتى في الوقوف بمحاذاة الباب، المهم أن يقلني....
أولريكا، قصة خورخي لويس بورخيس
13 أيار (مايو) 2023
عندئذ نظرتُ إليها. في سطر شعري يتكلَّم ويليام بْليْك عن فتيات ذوات بَشَرة فضِّية وشَعَر ذَهبي ساطع، لكنْ في أُولْريكا كان يجتمع الذَّهبُ والنعومة. كانت رشيقة وطويلة، ذات قسمات حادة وعينيْن رماديتيْن. ما أثارني فيها أكثرَ من مُحيّاها هو طبعُها الهادئ والغامض. كانت تبتسم بِيُسر، ويبدو أن البسمة كانت تُبعِدُها. الأسْود كان لباسها، وهو ما كان شيئا غريبا في أراضي الشَّمال، التي تسعى إلى أن تُبْهِج المجالَ الباهتَ بالألوانِ الحيّة. كانت تتحدث إنجليزية صافية ودقيقة وتنطق خفيفا حرف الرَّاء. أنا لست مُلاحِظا؛ لكني اكتشفت هذه الأشياء شيئا فشيئا.
حذاء روبرتو بادوباني، قصة قصيرة للكاتب هشام ناجح
"أيها الصديق.. منذ عرفتك وأنت تتطلع إلى أقدام الناس لتتبع الخطو، ولا تعلم أن أجود الأحذية هي التي تحكي عن سكانها. إن الإنسان الأول...
“فتاة طيّبة وقارئ سيّء لماركس” قصة قصيرة للكاتب العراقي علي بدر
مرة هبطت سكرانة من سيارة أجرة. سقطت على الرصيف كحبة قمح صلبة تهاوت تحت ضربات منجل. قالت لي أن صديقها الجديد طردها من منزله، نام معها ثم سرق محفظة نقودها من حقيبتها وحين احتجت ضربها ودفعها إلى الشارع. حملتها إلى شقتها وهي تتكأ على كتفي. على السلم تقيأت على ملابسي. في الداخل كل شيء في فوضى عارمة، ملابسها مبعثرة فوق السرير، أحذيتها متناثرة على الأرضية، بقايا عشاءها بائت على طاولة صغيرة. الصحون لم تغسل منذ يومين، والمنفضة مملوءة بأعقاب السكائر. خلعت لها ملابسها ورميتها في سلة الغسيل في الحمام، ووضعتها في سريرها عارية.
“الرجلُ الذي اختارْ” قصة قصيرة للكاتب السوداني عبد العزيز بركة ساكن
طرقتُ البابْ. أقصدُ جمعت كل شجاعتي وطرقتُ الباب. كنت أسمع صدى النقرات مرتدًا من الداخل. يبدو أن بالداخلِ قاعةٌ كبيرةٌ فارغةٌ. طرقتُ الباب مرة...
“ليتني عصفورة جنة” قصة قصيرة للكاتبة السودانية رانيا مأمون
تربى معي حلم عزيز منذ أن كنتُ في سنِّ الثانية عشر: أن أدرس في جامعة الخرطوم مثل أشواق ابنة عمي الشابة الممتلئة حيوية والتي سقتْ فيَّ هذا الحلم بقصصها عن الجامعة. عندما تمَّ قبولي فيها غمرت السعادة قلبي بتحقُّق حلمي، حلم السفر والإقامة في الخرطوم والابتعاد عن كل هذا التَّعب. ذهبتُ بفرحتي إلى أخي أحمد وأخبرته، كان حينها يلاعب ابنه الرضيع، قال دون أن يلتفت إليَّ: (ما ح تمشي تقري في الخرطوم ولا في أي مكان، ح تقري هنا بس)! وواصل في ملاعبته لابنه.
“جُثةُ الحَربْ” قصة قصيرة للكاتب السوداني عبدالعزيز بركة ساكن
ظللتُ طوال الطريق أفكر في الحمل الثقيل الذي في بيت المرأة. ولأنني لا أتمتع بخيال خصب فقد ظننت أنها تعول عدداً كبيراً من الأطفال، أو أن لديها زوجاً مريضاً، أو ابنة معلولة، أو أن لديها والدين هرمين مصابين بفقدان الذاكرة لا يكفان عن الثرثرة والشكوى طوال اليوم، ولكنني لم أر أحداً في البيت، الذي كان نظيفاً جداً ومُعتنى به، إنه يمثل حالة تضاد عنيفة مع الخراب الذي يحيط به من كل جانب وجهة. كان عبارة عن قُطيّة كبيرة حديثة البُناء وأمامها مظلة من الطين والقش لها بوابة متسعة. تقبع خلفها بقايا مبنى طيني شبه منهار، وشجرة محترقة وتفوح من المكان رائحة الخراب
“عن ما حدث في شارع نوال” قصة قصيرة للكاتب الكويتي محمد...
تنامي لسمعي صوت فريد من المطبخ. رفعت الغطاء عن جسمي وقمت غاضباً وأسرعت نحو المطبخ ومددت يدي نحو جهاز الراديو الذي يسمع منه الطباخ الأغنية وأقفلت الجهاز فالتفت نحوي وعيناه تتطايران شرراً وأمطرني برذاذ وصلني من بين شفتيه. توقف عن تقطيع البصل أو الطماطم أو ما كان ومد يده نحوي ويدي على الراديو وصرخ بي: ماذا تعمل؟ شعرت بألم في يدي وصرخت به: لا أحب أن أسمع فريد، فصرخ عالياً: أنا أحبه، قلت له: حسناً اسمعه في بيتك. أطلق يدي وهو ينظر لي شزراً: المطبخ بيتي أنا، وعاد يقشر بالسكين ما كان بيده
محمود شقير: هيمنغواي في القدس
فتحت لي روايات هيمنغواي وقصصه القصيرة آفاقاً رحبة وأمدتني بغنى روحي غير قليل، صرت أمشي في شوارع المدينة، وأصعد أدراج البنايات وأركب الحافلات وأتأمل الخلق والبنايات والأشياء من حولي، وأنا واقع تحت إحساس بأنني أتحرك في فضاء روائي. كنت أتخيل نفسي بطلاً روائياً خارجاً للتو من كتاب، وكان أبطال روايات هيمنغواي وقصصه قريبين مني، يمشون معي في الشوارع ويجلسون معي في المقاهي. كانوا محببين ولطفاء وهم محكومون بالسعي من أجل حياة أكثر جمالاً، مع أن الإخفاق قد يكون هو محصلة سعيهم في أغلب الأحيان
“كوفيد الصغير” قصة قصيرة للكاتب المغربية لطيفة لبصير
فتحت الباب، وجدت أبي يصطحب معه طفلا صغيرا، يبدو أنه في حوالي السابعة من العمر، شبيه بالأطفال الفقراء الذين قرأت عنهم في إحدى القصص الجميلة. تذكرت بعض العبارات التي كنت أحفظها لأن المدرسة كانت تصر على ذلك! ربما كي نكتب إنشاء سليما، فبدأت توا أرددها في نفسي وأنا أحدق في الطفل: مشعث الشعر، متسخ الوجه... لكن عيني أمي جعلتني أتساءل معها من يكون هذا الطفل؟ !
“أجنحة الخفاش” قصة قصيرة للكاتبة المغربية لطيفة لبصير
كان الخفاش متدليا كمن شنق نفسه، وسلهامه الحريري يكسو جناحيه اللذين تمددا في الهواء وكأنه في مأمن من الغدر، وكان فمه الدقيق مغلقا وكأنه قد أطبق على أسنانه إلى الأبد، وكنت هائمة في كل ما يسرده الطبيب البيطري لا أكاد أعثر على السبب الذي يشدني لهذا الشخص
“موت” قصة قصيرة للكاتب المغربي محمد خلفوف
حاولت أن أبدو متماسكا عبر الهاتف. دخنت أربع سيجارات متتاليات. أخبرت زوجتي عند استيقاظها، تفاجأَتْ وأعلنت حزنها. كذلك حاولت أن أكون متماسكا في العزاء، أمام عناق أختي ودموعها، وعناق عمي، ونظرات المعزين، وهم يجلسون ويشربون الشاي ويأكلون الحلوى ويثرثرون... في زاوية الصالون جلس رجل أشيب ببذلة سوداء في هدوء، حاولت تذكره لكنني لم أفلح، ظل هادئا، اكتفى بشرب القهوة والماء. صافحني بتأثر بالغ وعانقني عناقا يختلف عن عناق عمي
“عجلة موغادور” قصة قصيرة للكاتب المغربي إسماعيل غزالي
صيّادون وصنائعيّون وسماسرة وسياح وقوّادون وسماسرة وشواذ ورسّامون وموسيقيّون وشعراء وشحّاذون ووو... يموجُ بهم ليل الحانة العاتي، ويُطوِّح بهم السُّكْر إلى شطآن مفزعة، أو منحدرٍ هائل تتدْحرجُ فيه الأشياء إلى مهاوٍ سحيقة.
هذا العالم قصة قصيرة
17 فبراير 2020
اشترت لي المعلمة "مجلة العربي"، كانت مجلة للكبار لكنني فرحت بها كثيرا، وقرأتها كلّها، فهمت منها ما فهمت، واستمتعت بصورها الجميلة، وحين التحقت آخر تلك السنة بالمعهد الثانوي، صارت مجلة العربي النجمة التي أنتظر اطلالتها كل شهر في مكتبة "السلامي" المكتبة الوحيدة في مدينة النفيضة التي تبيع المجلات، وحرب الخليج أيامها كانت ترجمتها لي أنا الصبيّ الصغير هي أنّ مجلّة العربي توقفت عن الوصول إلى مدينتي الساحلية الصغيرة، لم أكن أعرف عن الحرب شيئا، لا أقرأ جرائد، ولا تلفاز في مبيتنا الثانوي الذي كان يشبه المعتقل.
“في صباح ممطر” قصة قصيرة للكاتب الكويتي محمد الشارخ
لا يحب المومسات ولا الأجنبيات. تخصصه بنت البلد، لم يفشِ لنا أبداً اسم واحدة ممن يعرفهن ولا مواصفاتهن. ولا نعرف كيف يجدهن. عارف بالعيون، بكلام العيون بكل أنواعه. هوايته كمال الأجسام والسباحة وقنص الغزلان مع والده في براري إيران وجنوب الجزائر. يتعطر من ديور وأحياناً بالعود. وبحسن أسلوبه وشهامته وكرمه الواسع يعرف جيداً التعامل مع موظفي الحكومة كبيرهم وصغيرهم كما الفتيات.
“البحر والفراشة” قصة للكاتبة الكورية كيم إن – سووك: ترجمة عن...
وفي فترة ما، شعرت أنا نفسي بأنني أصدق قصّتي. وفي الأيام الأخيرة، وقبل أن أغادر، كدت أنسى الفرق الكبير بيني وبين زوجي. ووجدت نفسي قلقة كيف سيتدبّر أموره بدوننا. فلعلي كنت سأتخلى عن الخطة بذريعة الإذعان لرغباته، لو أنه قال: "لا تذهبي" أو "هل عليك حقاً أن تذهبي؟" ربما... لكن كان كلّ ما قاله: "لماذا الصين؟"
نطق هذه الكلمات، لكن لم تكن في صوته نبرة استفهام، وكان من الواضح لي أنه لم يكن يتوقّع رداً.
“قمر على البوابة” قصة قصيرة للكاتب النرويجي بير بيترسون، ترجمة علي...
أتوق إلى هذا عندما أشعر بالقرف من نفسي، ومن وجهي الذي أراه في المرآة، ومن الكلمات التي أرصّع بها شاشة الحياة، ومن مذاق الغثيان المعدني الذي استشعره في فمي وأنا أستعرض نفسي كل يوم على مسرح أيامي المتكررة حينما تصبح العلاقة المتكافئة بيني وبين نفسي ليس واحداً مع واحد يساوي إثنان بل واحداً زائد واحد يساوي واحداً؛ وحين يرتبك التكافؤ هكذا يغمرني شعور طاغ بالتقزز واحتقار الذات